القديس البار ثيوذوسيوس رئيس الأديار
مــنــتــدى الــكــنــيــســة الأرثــوذكــســيــة - فــلــســطــيــن - الأرض الــمــقدســة :: الفئة الأولى :: سير القديسين
صفحة 1 من اصل 1
القديس البار ثيوذوسيوس رئيس الأديار
القديس البار ثيوذوسيوس رئيس الأديار
11 /1 شرقي (24 /1غربي)
ولد ثيوذوسيوس (اسم علم يوناني يقابل بالغربية عطالله) في قرية كبّادوكية تدعى موغاريسوس، على عهد لاون الثركس الذ ملك سنة 457م وعاش إلى أوائل القرن السادس، لأبوين تقيين. اسم أبيه بروهيريسوس وأمه إفلوغية. ترهبّنت في كبرها وصار ابنها ثيوذوسيوس أباها الروحي.
نما ثيوذوسيوس في النعمة والقامة وكان قوي البنية. وقيل أنه منذ الصغر لم يسمح لنفسه بأية متعة جسدية، ولم يمل أبداً لحب الغنى والمال. كان رغبته الوحيدة: زيارة الأراض المقدسة. كان يقرأ الكتاب المقدس باستمرار. قرأ في سفر التكوين أن الله دعا إبراهيم لأن يترك أهله وأصدقاءه وعشيرته وكل شيء له إذا كان يرغب حقاً في أن يرث البركة الأبدية. هذه الدعوة اقتبلها ثيوذوسيوس كما لو كانت موجهه إليه.
فحانت الساعة وخرج متجهاً إلى أورشليم. ولما بلغ أنطاكية ذهب ليتبرك من القديس معان العمودي (تعيد له الكنيسة في أول أيلول) ويأخذ منه كلمة منفعة. فلما دنا من العمود وقبل أن يحيي القديس معان هتف به هذا الأخير من أعلى عموده قائلاً: "أهلاً بثيوذوسيوس رجل الله!" فوقع ثيوذوسيوس باتجاهه ساجداً مندهشاً. ثم صعد إليه على العمود فحيّاه سمعان واحتضنه بقبله مقدّسة وتنبأ له بما سيصير إليه.
بعد ذلك أسرع ثيوذوسيوس الخطى إلى أورشليم، وكان جوفيناليوس بطريركاً عليها. وصل طالب الرهبنة الجديد إلى أورشليم ولم يدر أي طريق يأخذ وكيف يباشر ما عزم عليه. أيختار الحياة المشتركة أم يلتمس حياة النسك من أول الطريق؟ اختار أن يتمرس على الحياة النسكية على يد أحد الآباء المجرّبين أصحاب الخبرة، أولاً ثم يخرج إلى العزلة والصحراء. هداه الله أولاً ثم يخرج إلى العزلة والصحراء. هداه الله إلى أب شيخ مبارك يدعى لونجينوس وكان هو أيضاً كاابودوكي الأصل، فأقام معه زماناً طويلاً قرب برج داود سالكاً في الطاعة له في كل أمر.
وإن امرأة اسمهاا إيكيليا، وقورة، تقية، كاانت تؤدي للونجينوس الشيخ خدمات جلّى. هذه كانت تملك قلاية صغيرة وكنيسة على الطريق إلى بيت لحم. فالتمست من الشيخ أن يكون ثيوذوسيوس في القلاية المذكورة فسمع لها وأجابها على طلبها.
انتقل ثيوذوسيوس صاغراً إلى المكان الجديد، لكن، ما لبث اسمه أن ذاع فأخذ الناس يقبلون عليه مما ضايقه لدرجة أنه ترك المكان وانتقل إلى أعلى الجبل حيث استقر في مغارة ما تزال رفاته رابضة إلى اليوم فيها. (في الدير المسمى على اسمه، أو ما يسميه أهل المنطقة دير ابن عبيد). ويذكر التقليد أن هذا المكان هو ذلك المكان إياه الذي قضى فيه المجوس ليلتهم بعدما سجدوا للرب يسوع مولوداً جديداً. وهناك بالذات حضرهم الملاك وأمرهم أن لا يعودوا إلى أورشليم لملاقاة هيرودس بل بالعودة إلى بلادهم في طريق أخرى.
تنسك ثيوذوسيوس في هذه المغارة بكل تقوى ضابطاً جسده بحكمة ودراية. وكان يقضي وقته يقظاً، وقد علق حبلاً في سقف المغارة وربط نفسه به حتى إذا ما أخذه النعاس شدّ عليه الحبلُ فأيقظه. لا يشبع، نظامه الغذائي اقتصر على البلح والخروب والبقول والخضار المنقوعة. لم يذق الخبز طيلة ثلاثين عاماً.
اشتهر كثيراً بفضيلته وتقواه، مما حذا بكثيرين أن يقبلون إليه ملتمسين الفضيلة والترقي في دروب الحياة الفضلى. ردة فعله الأولى كانت أنه صدّ الناس لئلا يتعكر صمته. أخيراً رضخ بعدما ألحّ عليه طلاب الرهبنة وأعطاه الرب الإله اقتناعاً.
كان ذكر الموت بالنسبة لثيوذوسيوس كان عماد الحياة النسكية والدافع الأقوى إلى حياة الفضيلة. لذلك جعل تلاميذه يبنون لأنفسهم قبراً ليرى كل منهم إلى أين هو ذاهب وما ستؤول إليه حاله. فلما استكملوه التفت ثيوذوسيوس إليهم وقال لهم: "ها أن القبر قد أصبح جاهزاً فمن منكم يرغب في أن يُدفن فيه أولاً؟" وكان بين التلاميذ راهب فاضل مطيع يدعى باسيليوس وكان متحمساً يشبه ثيوذوسيوس في كل شيء. هذا تكلم أولاً فقال: "أنا، يا معلمي، من سوف يفتتحه بصلاة قداستك!" ولما قال هذا حنى عنقه وانتظر راجياً ثيوذوسيوس أن يأذن له بالدخول إلى القبر. وهكذا كان. لم يكن الرجل يشكو من أية علّة في البدن. فأشار إليه ثيوذوسيوس بالدخول فدخل لينام نوماً هادئاً. فأمر القديس بإقامة الخدمة الجنائزية عليه كما في اليوم الثالث والتاسع والأربعين. فلما أكملوا صلاة الأربعين لفظ أنفاسه بسلام. وقد بقي بعض الإخوة يشاهدونه قائماً معهم مرتلاً في الكنيسة طيلة الأيام الأربعين.
يروى أنه لم يكن لدى الرهبان، في إحدى السنوات، ما يحتفلون به بعيد الفصح المجيد، وكان اليوم سبت النور. عدد التلاميذ، يومذاك، كان قد بلغ اثني عشر. حتى الخبز للذبيحة الإلهية كان ينقصهم. فتذمروا على الشيخ في قلوبهم فقال لهم: "أعدّوا المائدة المقدسة ولا تحزنوا لأن من أطعم الجموع في القفر حتى شبع سوف يعيننا نحن أيضاً وإن لسنا مستأهلين لعونه". فلما قال هذا إذ برجل يسوق بغلين يصل الدير حاملاً الخبز والخمر وضرورات الحياة الأخرى. وقد بقي الاخوة يقتاتون من هذه المؤونة حتى يوم العنصرة.
ومن أخباره أيضاً، أن رجلاً مقتدراً رحيماً كان يوزع البركات على النساك ويسألهم الصلاة. ولسبب ما، ربما لتدبير من الله، كان لا يرسل لثيوذوسيوس ورهبانه شيئاَ. فجاء التلاميذ، إلى معلمهم وألحّوا عليه أن يقول للغني كلمة فيرسل للاخوة ما يعتزوّن به لأن مؤونتهم وشيكة النفاذ. فأجابهم القديس ألاّ ييأسوا بل يلقوا رجاءهم على الله وحده الحي لا على الناس. وبعد برهة من الزمن لاحظ الاخوة رجلاً على الطريق يحاول أن يسوق حماره بعيداً عن المغارة، والحمار واقف بعناد لا يشاء أن يتزحزح. كان الرجل يضرب الحمار والحمار لا يتحرك. فأدرك، إذ ذاك، أن مشيئة الله ليست أن يذهب الحمار في الاتجاه الذي يريده هو. ولما تركه على سجيته تحركت البهيمة باتجاه مغارة القديس ثيوذوسيوس وتوقفت هناك. وإذ سأل الرجل الرهبان وعلم أنهم لا يملكون شيئاً تعجب من رحمة الله وحمل إليهم ضعف ما حمله لغيرهم.
ازداد عدد الاخوة يوماً بعد يوم وضاقت المغارة بهم. وكان بينهم بعضض الأغنياء والمقتدرين. لهذا السبب أخذوا يلّحون على قديس الله أن يعطي البركة لبناء دير يفي بالحاجات المتزايدة. تردّد القديس لبعض الوقت. رغبة قلبه كانت أن يترك كل شيء ويلتمس الوحدة والهدوء. ولكن محبة الله واعتبار قصده في هؤلاء الاخوة حتّما عليه الرضوخ. فقام وأخذ مبخرة وجعل فيها فحماً لم يشعله وبخوراً قائلاً في قلبه: أذهب بهذه المبخرة وحيثما اشتعل الفحم وفاحت رائحة البخور يكون هذا هو الموضع الذي اختاره الرب الإله لعبيده ديراً. فخرج على هذه الحال وتبعه تلاميذه. ولكن طالت بهم المسافة ولم يعط السيّد الإله ناراً. كل الأماكن التي كان يمكن، في ظن القديس وتلاميذه، أن تكون مناسبة عبروا بها ولكن من غير طائل. بلغوا صحراء كوتيلا وبحيرة الأسفلت ولم تظهر أية علامة. أخيراً ظنّ القديس أنها ليست مشيئة الله أن يشاد للغخوة دير فقفل عائداً إلى مغارته. ولكن، ما كاد وتلاميذه يعبرون بمغارة مهجورة ختى اشتعل الفحم وانبعثت رائحة البخور طيباً زكي الرائحة. فسرى الفرح عارماً بين الاخوة وعمدوا للحال إلى المباشرة بتنفيذ مأربهم. كان المكان على حوالي سبعة كيلومترات من مدينة بيت لحم.
على هذا بنى الاخوة كنيسة جميلة وديراً فسيحاً ومستوصفاً ومضافة وكل ما يعين لا في قضاء حاجة الدير وحسب بل الحجاج والزوار والفقراء والمرضى من قصّاد الدير أيضاً، وكذلك الرهبان الزائرين والنبلاء.
يقولون أن القديس ثيوذوسيوس كان ذائع الصيت خصوصاً لثلاث مزايا اقتناها: أولاً النسك بدقة، وثانياً الضيافة بحبور دونما محاباة للوحوه. وثالثاً التركيز المتواتر على الصلاة المشتركة.
ضربت مرة المجاعة تلك النواحي وكان العيد عيد الدخول إلى أورشليم (الشعانين). فأخذ الزوار يتقاطرون على الدير لا للتبرك وحسب بل لأنهم كانوا بالأكثر جائعين. وازاد العدد فوق الحد حتى اضطرب الاخوة في الدير واتخت أيديهم لأنهم قالوا ليس في الدير ما يكفيهم. لذلك ضاقت نفوسهم وأخذوا يبخلون على المحتاجين. فلما درى القديس بالأمر حزن على قلة إيمان الاخوة وأمر للحال بفتح مداخل غرفة الطعام أمام الجميع وجعل كل ما في المخزن من طعام أمامهم ليأكلوا ملأهم ويتعزوا. ومع أن المؤن أصلاً كانت غير كافية لمثل هذا الجمع، ولكن البركة حلت وتسنى للآكلين أن يشبعوا ولم يبقى أحد منهم إلا امتلأ. فلما أنفضّ الجمع خرج الاخوة إلى المخزن ليروا ما يمكن أن يكون قد بقي لحاجاتهم فألقوا المخزن ممتلئاً إلى فوق.
بلغ عدد الرهبان في الدير 793 راهباً. وقد ابتنى لهم القديس أربع كنائس. واحدة كانت التسابيح باليونانية وواحدة بالسريانية وواحدة بالأرمنية وواحدة للغرباء والممسوسين. سبع مرات كانت الصلوات ترتفع إلى السماء. بعد قراءة الإنجيل المقدس كان الجميع ينتقلون إلى كنيسة اليونانيين ليكملوا القداس الإلهي. ثيوذوسيوس كان أب الجميع وكان صورة حيّة للمسيح.
كثيرون من تلاميذه أنهوا حياتهم نساكاً في القفار. آخرون أختيروا أساقفة ورؤسائ أديرة. انتشر خبر ثيوذوسيوس في كل مكان فجاؤوا إليه من كل فئات الشعب.
يذكر أن القديس ثيوذوسيوس تعيّن رئيساً لأديرة الشركة في فلسطين فيما كان القديس سابا المتقدّس رئيساً للنساك والرهبان العائشين في اللافرا. وقد ارتبط الرجلان بمحبة كبيرة أحدهما للآخر. وكثيراً ما يلتقيان ليتبادلا الكلام في الأمور الروحية، كما أنهما جاهدا كثيراً ضد الهراطقة.
في ذلك الزمان كا الإمبراطور الرومي البيزنطي أنسطاسيوس على هرطقة إفتيخيوس بشأن طبيعة المسيح الواحدة وقد سعى باللين حيناً وبالشدة أحياناً إلى كسر مقاومة الأرثوذكسيين المقاومين له في هذا الأمر. وقد بعث لثيوذوسيوس بمبلغ كبير من المال مدعياً أنه للفقراء والمحتاجين. لم يكن أمام القديس أي خيار سوى قبول العطية لئلا يتسبب في فضيحة. ثم بعد مدة يسيرة أوفد إليه أنسطاسيوس مرسلين يدعوه إلى إعلان إيمانه على مذهب الإمبراطور الهرطوقي فكان جوابه وضاحاً وحازماً. جمع ثيوذوسيوس آباء البرية. وبعد التداول معهم أرسلوا للملك جواباً، جاء فيه: "لما كنت قد جعلتنا أمام خيارين: اما أن نحيا بمذلة من دون حرية.. أو أن نواجه ميتة عنيفة ولكن مشرّفة، فيما خصّ التمسك بعقيدة الآباء القديسين الصحيحة. فإننا نقول لك إنناا نفضل الموت لا نقول فقط أننا لا نرغب في الحيدان عن الإيمان، بل ندين أيضاً كل من يشنركون معك في آرائك.. لن نتخلى عن الأرثوذكسية أبداً ولن نحيد عنها قيد شعرة. ولا نبالي حتى ولو أضرمت النار في الأرض المقدسة أو كبّدتنا المشقات، أياً تكن، لن نجاريك البتة ولو حلّلت دمنا سوف نتمسك إلى الأبد بالمجامع المسوكنية الأربعة.." وقد وقف القديس ثيوذوسيوس في جمهرة من الناس وأعلن: "كا من ناهض المجامع المسكونية الأربعة (إذ لم منعقداً حتى ذاك الحين سوى أربعة مجامع مسكونية) وأبى أن يكرمهم على غرار الأناجيل الأربعة فليكن أناثيما". غضب الإمبراطور غضباً شديداً وأمر بنفي القديس. لكن غيابه عن ديره ورهبانه لم يدم طويلاً لأن الإمبراطور مات بعد حين.
ورد عن القديس ثيوذوسيوس أنه اجترح عدداً كبيراً من العجائب محبة بالمؤمنين بينها أنه شفى امرأة من سرطان الثدي وأكثر القمح لدى راهب معدم من حبة قمح واحدة ونجّى ولداً من الموت المحتّم إثر سقوطه في بئر عميق وببركته وصلاته شفى امرأة كادت تطلاح قبل الولادة. ومما يحكى عنه أيضاً ـ وكان في سن الشيخوخة ولا يقوى على استعمال رجليه إلا بصعوبة ـ أن جراداً وحشرات فتّاكة اجتاحت المنطقة. فصلى إلى الرب الإله من أجلها، ثم أخذ جرادة واحدة وحشرة واحدة في كفّه وكلمها برفق قائلاً: "ان سيدنا وسيدكم يأمركم بعدم أذية الفقير والامتناع عن التهام مؤونته". للحال كفّ الجراد والحشرات الفتاكة عن أذية الأرض. وإذ لازموا المكان اكتفوا من الطعام بالأشواك. هذا غيض من فيض.
عاش القديس ثيوذوسيوس إلى سن المائة وخمس سنوات. وقد عانى من أوجاع مبرحة طيلة سنه كاملة ققبل رقاده. إذ تقرح جلد أردافه وتآكل حتى إلى العظم. فلما جاء أحد الشيوخ سائلاً إياه أن يرفع الطلبة من أجل نفسه إلى اله أجابه القديس: "لا تتفوه بكلام لا يليق! فما تقوله خطر ببالي مرات عديدة، وأنا كنت أعرف أنه من إبليس، لذلك طردته واعتبرته جارحاً لنفسي. فإني تنعمت كثيراً في حياتي وذاع اسمي حتى وصل إلى أمكنة بعيدة. لذلك عليّ أن أتألم قليلاً ليكون لي أن أجد تعزية في الحياة الآتية ولا أسمع الحكم الذي صدر بحق ذاك الرجل الغني: "اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلم لعازر البلايا. والآن هو يتعزى وأنت تتعذب" (لوقا 16: 25). على هذا أمضى فترة آلامه بصبر وشكر وتسبيح. كان يصلي كل ساعة ولا يكف عن الإنشاد. ولما عرف أن ساعته دنت جمع الإخوة وحثهم على الصبر في الملمّات إلى المنتهى وأن يخضعوا لرئيسهم. ثم بعد ثلاثة أيام ودّع وصلّى صلاة عميقة وجعل يديه على صدره بشكل صليب وغادرهم إلى ربه بسلام.
تعيّد له كنيستنا الأرثوذكسية يوم الحادي عشر من شهر كانون الثاني.
القنداق على اللحن الثامن
لقد غُرست في ديار ربّك. فأثمرت بفضائلك الجميلة البديعة. وقد كثّرت أولادك في البرية ترويهم بوابل دموعك. يا رئيس قطعان حظائر الله الإلهية. فلذلك نصرخ إليك قائلين: السلام عليم أيها الأب ثيوذوسيوس.
11 /1 شرقي (24 /1غربي)
ولد ثيوذوسيوس (اسم علم يوناني يقابل بالغربية عطالله) في قرية كبّادوكية تدعى موغاريسوس، على عهد لاون الثركس الذ ملك سنة 457م وعاش إلى أوائل القرن السادس، لأبوين تقيين. اسم أبيه بروهيريسوس وأمه إفلوغية. ترهبّنت في كبرها وصار ابنها ثيوذوسيوس أباها الروحي.
نما ثيوذوسيوس في النعمة والقامة وكان قوي البنية. وقيل أنه منذ الصغر لم يسمح لنفسه بأية متعة جسدية، ولم يمل أبداً لحب الغنى والمال. كان رغبته الوحيدة: زيارة الأراض المقدسة. كان يقرأ الكتاب المقدس باستمرار. قرأ في سفر التكوين أن الله دعا إبراهيم لأن يترك أهله وأصدقاءه وعشيرته وكل شيء له إذا كان يرغب حقاً في أن يرث البركة الأبدية. هذه الدعوة اقتبلها ثيوذوسيوس كما لو كانت موجهه إليه.
فحانت الساعة وخرج متجهاً إلى أورشليم. ولما بلغ أنطاكية ذهب ليتبرك من القديس معان العمودي (تعيد له الكنيسة في أول أيلول) ويأخذ منه كلمة منفعة. فلما دنا من العمود وقبل أن يحيي القديس معان هتف به هذا الأخير من أعلى عموده قائلاً: "أهلاً بثيوذوسيوس رجل الله!" فوقع ثيوذوسيوس باتجاهه ساجداً مندهشاً. ثم صعد إليه على العمود فحيّاه سمعان واحتضنه بقبله مقدّسة وتنبأ له بما سيصير إليه.
بعد ذلك أسرع ثيوذوسيوس الخطى إلى أورشليم، وكان جوفيناليوس بطريركاً عليها. وصل طالب الرهبنة الجديد إلى أورشليم ولم يدر أي طريق يأخذ وكيف يباشر ما عزم عليه. أيختار الحياة المشتركة أم يلتمس حياة النسك من أول الطريق؟ اختار أن يتمرس على الحياة النسكية على يد أحد الآباء المجرّبين أصحاب الخبرة، أولاً ثم يخرج إلى العزلة والصحراء. هداه الله أولاً ثم يخرج إلى العزلة والصحراء. هداه الله إلى أب شيخ مبارك يدعى لونجينوس وكان هو أيضاً كاابودوكي الأصل، فأقام معه زماناً طويلاً قرب برج داود سالكاً في الطاعة له في كل أمر.
وإن امرأة اسمهاا إيكيليا، وقورة، تقية، كاانت تؤدي للونجينوس الشيخ خدمات جلّى. هذه كانت تملك قلاية صغيرة وكنيسة على الطريق إلى بيت لحم. فالتمست من الشيخ أن يكون ثيوذوسيوس في القلاية المذكورة فسمع لها وأجابها على طلبها.
انتقل ثيوذوسيوس صاغراً إلى المكان الجديد، لكن، ما لبث اسمه أن ذاع فأخذ الناس يقبلون عليه مما ضايقه لدرجة أنه ترك المكان وانتقل إلى أعلى الجبل حيث استقر في مغارة ما تزال رفاته رابضة إلى اليوم فيها. (في الدير المسمى على اسمه، أو ما يسميه أهل المنطقة دير ابن عبيد). ويذكر التقليد أن هذا المكان هو ذلك المكان إياه الذي قضى فيه المجوس ليلتهم بعدما سجدوا للرب يسوع مولوداً جديداً. وهناك بالذات حضرهم الملاك وأمرهم أن لا يعودوا إلى أورشليم لملاقاة هيرودس بل بالعودة إلى بلادهم في طريق أخرى.
تنسك ثيوذوسيوس في هذه المغارة بكل تقوى ضابطاً جسده بحكمة ودراية. وكان يقضي وقته يقظاً، وقد علق حبلاً في سقف المغارة وربط نفسه به حتى إذا ما أخذه النعاس شدّ عليه الحبلُ فأيقظه. لا يشبع، نظامه الغذائي اقتصر على البلح والخروب والبقول والخضار المنقوعة. لم يذق الخبز طيلة ثلاثين عاماً.
اشتهر كثيراً بفضيلته وتقواه، مما حذا بكثيرين أن يقبلون إليه ملتمسين الفضيلة والترقي في دروب الحياة الفضلى. ردة فعله الأولى كانت أنه صدّ الناس لئلا يتعكر صمته. أخيراً رضخ بعدما ألحّ عليه طلاب الرهبنة وأعطاه الرب الإله اقتناعاً.
كان ذكر الموت بالنسبة لثيوذوسيوس كان عماد الحياة النسكية والدافع الأقوى إلى حياة الفضيلة. لذلك جعل تلاميذه يبنون لأنفسهم قبراً ليرى كل منهم إلى أين هو ذاهب وما ستؤول إليه حاله. فلما استكملوه التفت ثيوذوسيوس إليهم وقال لهم: "ها أن القبر قد أصبح جاهزاً فمن منكم يرغب في أن يُدفن فيه أولاً؟" وكان بين التلاميذ راهب فاضل مطيع يدعى باسيليوس وكان متحمساً يشبه ثيوذوسيوس في كل شيء. هذا تكلم أولاً فقال: "أنا، يا معلمي، من سوف يفتتحه بصلاة قداستك!" ولما قال هذا حنى عنقه وانتظر راجياً ثيوذوسيوس أن يأذن له بالدخول إلى القبر. وهكذا كان. لم يكن الرجل يشكو من أية علّة في البدن. فأشار إليه ثيوذوسيوس بالدخول فدخل لينام نوماً هادئاً. فأمر القديس بإقامة الخدمة الجنائزية عليه كما في اليوم الثالث والتاسع والأربعين. فلما أكملوا صلاة الأربعين لفظ أنفاسه بسلام. وقد بقي بعض الإخوة يشاهدونه قائماً معهم مرتلاً في الكنيسة طيلة الأيام الأربعين.
يروى أنه لم يكن لدى الرهبان، في إحدى السنوات، ما يحتفلون به بعيد الفصح المجيد، وكان اليوم سبت النور. عدد التلاميذ، يومذاك، كان قد بلغ اثني عشر. حتى الخبز للذبيحة الإلهية كان ينقصهم. فتذمروا على الشيخ في قلوبهم فقال لهم: "أعدّوا المائدة المقدسة ولا تحزنوا لأن من أطعم الجموع في القفر حتى شبع سوف يعيننا نحن أيضاً وإن لسنا مستأهلين لعونه". فلما قال هذا إذ برجل يسوق بغلين يصل الدير حاملاً الخبز والخمر وضرورات الحياة الأخرى. وقد بقي الاخوة يقتاتون من هذه المؤونة حتى يوم العنصرة.
ومن أخباره أيضاً، أن رجلاً مقتدراً رحيماً كان يوزع البركات على النساك ويسألهم الصلاة. ولسبب ما، ربما لتدبير من الله، كان لا يرسل لثيوذوسيوس ورهبانه شيئاَ. فجاء التلاميذ، إلى معلمهم وألحّوا عليه أن يقول للغني كلمة فيرسل للاخوة ما يعتزوّن به لأن مؤونتهم وشيكة النفاذ. فأجابهم القديس ألاّ ييأسوا بل يلقوا رجاءهم على الله وحده الحي لا على الناس. وبعد برهة من الزمن لاحظ الاخوة رجلاً على الطريق يحاول أن يسوق حماره بعيداً عن المغارة، والحمار واقف بعناد لا يشاء أن يتزحزح. كان الرجل يضرب الحمار والحمار لا يتحرك. فأدرك، إذ ذاك، أن مشيئة الله ليست أن يذهب الحمار في الاتجاه الذي يريده هو. ولما تركه على سجيته تحركت البهيمة باتجاه مغارة القديس ثيوذوسيوس وتوقفت هناك. وإذ سأل الرجل الرهبان وعلم أنهم لا يملكون شيئاً تعجب من رحمة الله وحمل إليهم ضعف ما حمله لغيرهم.
ازداد عدد الاخوة يوماً بعد يوم وضاقت المغارة بهم. وكان بينهم بعضض الأغنياء والمقتدرين. لهذا السبب أخذوا يلّحون على قديس الله أن يعطي البركة لبناء دير يفي بالحاجات المتزايدة. تردّد القديس لبعض الوقت. رغبة قلبه كانت أن يترك كل شيء ويلتمس الوحدة والهدوء. ولكن محبة الله واعتبار قصده في هؤلاء الاخوة حتّما عليه الرضوخ. فقام وأخذ مبخرة وجعل فيها فحماً لم يشعله وبخوراً قائلاً في قلبه: أذهب بهذه المبخرة وحيثما اشتعل الفحم وفاحت رائحة البخور يكون هذا هو الموضع الذي اختاره الرب الإله لعبيده ديراً. فخرج على هذه الحال وتبعه تلاميذه. ولكن طالت بهم المسافة ولم يعط السيّد الإله ناراً. كل الأماكن التي كان يمكن، في ظن القديس وتلاميذه، أن تكون مناسبة عبروا بها ولكن من غير طائل. بلغوا صحراء كوتيلا وبحيرة الأسفلت ولم تظهر أية علامة. أخيراً ظنّ القديس أنها ليست مشيئة الله أن يشاد للغخوة دير فقفل عائداً إلى مغارته. ولكن، ما كاد وتلاميذه يعبرون بمغارة مهجورة ختى اشتعل الفحم وانبعثت رائحة البخور طيباً زكي الرائحة. فسرى الفرح عارماً بين الاخوة وعمدوا للحال إلى المباشرة بتنفيذ مأربهم. كان المكان على حوالي سبعة كيلومترات من مدينة بيت لحم.
على هذا بنى الاخوة كنيسة جميلة وديراً فسيحاً ومستوصفاً ومضافة وكل ما يعين لا في قضاء حاجة الدير وحسب بل الحجاج والزوار والفقراء والمرضى من قصّاد الدير أيضاً، وكذلك الرهبان الزائرين والنبلاء.
يقولون أن القديس ثيوذوسيوس كان ذائع الصيت خصوصاً لثلاث مزايا اقتناها: أولاً النسك بدقة، وثانياً الضيافة بحبور دونما محاباة للوحوه. وثالثاً التركيز المتواتر على الصلاة المشتركة.
ضربت مرة المجاعة تلك النواحي وكان العيد عيد الدخول إلى أورشليم (الشعانين). فأخذ الزوار يتقاطرون على الدير لا للتبرك وحسب بل لأنهم كانوا بالأكثر جائعين. وازاد العدد فوق الحد حتى اضطرب الاخوة في الدير واتخت أيديهم لأنهم قالوا ليس في الدير ما يكفيهم. لذلك ضاقت نفوسهم وأخذوا يبخلون على المحتاجين. فلما درى القديس بالأمر حزن على قلة إيمان الاخوة وأمر للحال بفتح مداخل غرفة الطعام أمام الجميع وجعل كل ما في المخزن من طعام أمامهم ليأكلوا ملأهم ويتعزوا. ومع أن المؤن أصلاً كانت غير كافية لمثل هذا الجمع، ولكن البركة حلت وتسنى للآكلين أن يشبعوا ولم يبقى أحد منهم إلا امتلأ. فلما أنفضّ الجمع خرج الاخوة إلى المخزن ليروا ما يمكن أن يكون قد بقي لحاجاتهم فألقوا المخزن ممتلئاً إلى فوق.
بلغ عدد الرهبان في الدير 793 راهباً. وقد ابتنى لهم القديس أربع كنائس. واحدة كانت التسابيح باليونانية وواحدة بالسريانية وواحدة بالأرمنية وواحدة للغرباء والممسوسين. سبع مرات كانت الصلوات ترتفع إلى السماء. بعد قراءة الإنجيل المقدس كان الجميع ينتقلون إلى كنيسة اليونانيين ليكملوا القداس الإلهي. ثيوذوسيوس كان أب الجميع وكان صورة حيّة للمسيح.
كثيرون من تلاميذه أنهوا حياتهم نساكاً في القفار. آخرون أختيروا أساقفة ورؤسائ أديرة. انتشر خبر ثيوذوسيوس في كل مكان فجاؤوا إليه من كل فئات الشعب.
يذكر أن القديس ثيوذوسيوس تعيّن رئيساً لأديرة الشركة في فلسطين فيما كان القديس سابا المتقدّس رئيساً للنساك والرهبان العائشين في اللافرا. وقد ارتبط الرجلان بمحبة كبيرة أحدهما للآخر. وكثيراً ما يلتقيان ليتبادلا الكلام في الأمور الروحية، كما أنهما جاهدا كثيراً ضد الهراطقة.
في ذلك الزمان كا الإمبراطور الرومي البيزنطي أنسطاسيوس على هرطقة إفتيخيوس بشأن طبيعة المسيح الواحدة وقد سعى باللين حيناً وبالشدة أحياناً إلى كسر مقاومة الأرثوذكسيين المقاومين له في هذا الأمر. وقد بعث لثيوذوسيوس بمبلغ كبير من المال مدعياً أنه للفقراء والمحتاجين. لم يكن أمام القديس أي خيار سوى قبول العطية لئلا يتسبب في فضيحة. ثم بعد مدة يسيرة أوفد إليه أنسطاسيوس مرسلين يدعوه إلى إعلان إيمانه على مذهب الإمبراطور الهرطوقي فكان جوابه وضاحاً وحازماً. جمع ثيوذوسيوس آباء البرية. وبعد التداول معهم أرسلوا للملك جواباً، جاء فيه: "لما كنت قد جعلتنا أمام خيارين: اما أن نحيا بمذلة من دون حرية.. أو أن نواجه ميتة عنيفة ولكن مشرّفة، فيما خصّ التمسك بعقيدة الآباء القديسين الصحيحة. فإننا نقول لك إنناا نفضل الموت لا نقول فقط أننا لا نرغب في الحيدان عن الإيمان، بل ندين أيضاً كل من يشنركون معك في آرائك.. لن نتخلى عن الأرثوذكسية أبداً ولن نحيد عنها قيد شعرة. ولا نبالي حتى ولو أضرمت النار في الأرض المقدسة أو كبّدتنا المشقات، أياً تكن، لن نجاريك البتة ولو حلّلت دمنا سوف نتمسك إلى الأبد بالمجامع المسوكنية الأربعة.." وقد وقف القديس ثيوذوسيوس في جمهرة من الناس وأعلن: "كا من ناهض المجامع المسكونية الأربعة (إذ لم منعقداً حتى ذاك الحين سوى أربعة مجامع مسكونية) وأبى أن يكرمهم على غرار الأناجيل الأربعة فليكن أناثيما". غضب الإمبراطور غضباً شديداً وأمر بنفي القديس. لكن غيابه عن ديره ورهبانه لم يدم طويلاً لأن الإمبراطور مات بعد حين.
ورد عن القديس ثيوذوسيوس أنه اجترح عدداً كبيراً من العجائب محبة بالمؤمنين بينها أنه شفى امرأة من سرطان الثدي وأكثر القمح لدى راهب معدم من حبة قمح واحدة ونجّى ولداً من الموت المحتّم إثر سقوطه في بئر عميق وببركته وصلاته شفى امرأة كادت تطلاح قبل الولادة. ومما يحكى عنه أيضاً ـ وكان في سن الشيخوخة ولا يقوى على استعمال رجليه إلا بصعوبة ـ أن جراداً وحشرات فتّاكة اجتاحت المنطقة. فصلى إلى الرب الإله من أجلها، ثم أخذ جرادة واحدة وحشرة واحدة في كفّه وكلمها برفق قائلاً: "ان سيدنا وسيدكم يأمركم بعدم أذية الفقير والامتناع عن التهام مؤونته". للحال كفّ الجراد والحشرات الفتاكة عن أذية الأرض. وإذ لازموا المكان اكتفوا من الطعام بالأشواك. هذا غيض من فيض.
عاش القديس ثيوذوسيوس إلى سن المائة وخمس سنوات. وقد عانى من أوجاع مبرحة طيلة سنه كاملة ققبل رقاده. إذ تقرح جلد أردافه وتآكل حتى إلى العظم. فلما جاء أحد الشيوخ سائلاً إياه أن يرفع الطلبة من أجل نفسه إلى اله أجابه القديس: "لا تتفوه بكلام لا يليق! فما تقوله خطر ببالي مرات عديدة، وأنا كنت أعرف أنه من إبليس، لذلك طردته واعتبرته جارحاً لنفسي. فإني تنعمت كثيراً في حياتي وذاع اسمي حتى وصل إلى أمكنة بعيدة. لذلك عليّ أن أتألم قليلاً ليكون لي أن أجد تعزية في الحياة الآتية ولا أسمع الحكم الذي صدر بحق ذاك الرجل الغني: "اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلم لعازر البلايا. والآن هو يتعزى وأنت تتعذب" (لوقا 16: 25). على هذا أمضى فترة آلامه بصبر وشكر وتسبيح. كان يصلي كل ساعة ولا يكف عن الإنشاد. ولما عرف أن ساعته دنت جمع الإخوة وحثهم على الصبر في الملمّات إلى المنتهى وأن يخضعوا لرئيسهم. ثم بعد ثلاثة أيام ودّع وصلّى صلاة عميقة وجعل يديه على صدره بشكل صليب وغادرهم إلى ربه بسلام.
تعيّد له كنيستنا الأرثوذكسية يوم الحادي عشر من شهر كانون الثاني.
القنداق على اللحن الثامن
لقد غُرست في ديار ربّك. فأثمرت بفضائلك الجميلة البديعة. وقد كثّرت أولادك في البرية ترويهم بوابل دموعك. يا رئيس قطعان حظائر الله الإلهية. فلذلك نصرخ إليك قائلين: السلام عليم أيها الأب ثيوذوسيوس.
مــنــتــدى الــكــنــيــســة الأرثــوذكــســيــة - فــلــســطــيــن - الأرض الــمــقدســة :: الفئة الأولى :: سير القديسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى