جاورجيوس الخوزيبي – وادي القلط
مــنــتــدى الــكــنــيــســة الأرثــوذكــســيــة - فــلــســطــيــن - الأرض الــمــقدســة :: الفئة الأولى :: سير القديسين
صفحة 1 من اصل 1
جاورجيوس الخوزيبي – وادي القلط
جاورجيوس الخوزيبي – وادي القلط
8/ 1ش (21/ 1غ)
ولد القديس جاورجيوس هذا في القرن السابع الميلادي، في إحدى قرى جزيرة قبرص من أبوين تقيين متواضعين في عيشهما. كان له أخ يدعى إيراكليذيس خرج إلى الأرض المقدسة حاجاً ثم نزل إلى نهر الأردن وزار لافرا القلمون فترهب هناك.
تيتم جاورجيوس فأخذه أحد أعمامه إليه ووضع يده على ميراثه. وإذ أراد أن يزوجه ابنته هرب الفتى إلى عم آخر لأنه لم يكن يرغب في الزواج. عمّ جاورجيوس الثاني كان رئيس دير. فلما علم الأول بالأمر خاصم أخاه. فترك الصبيُّ كل شيء وفرّ إلى الأرض المقدسة.
جاء جاورجيوس إلى أخيه إيراكليذيس في دير القلمون راغباً في السيرة الرهبانية معه. وإذ لم تكن لحيته قد نبتت بعد أخذه أخيه إلى دير والدة الإله في وادي خوزيبا (وادي القلط) على طريق القدس إلى أريحا. بحيث أن آباء لافرا القلمون كانوا يمتنعون عن قبول طلاّب الرهبنة من الشبان الصغار. رئيس دير الخوريفا امتحنه فألقاه صالحاً فرهبنه. ولم يمض عليه وقت طويل حتى أعطاه الإسكيم المقدس وسلّمه إلى شيخ روحاني قاسي الطبع أصله من بلاد ما بين النهرين.
ذات يوم، أرسل الشيخ الشاب إلى النهر ليحضر ماء. ولكن لم يكن الوصول إلى موضع الماء ممكناً لأن القصب في المكان كان كثيفاً ومتشابكاً. فعاد جاورجيوس الشاب إلى معلمه صفر اليدين. ففرض عليه الشيخ أن ينزع غمبازه وأن يربط وسطه بجبته وأن يذهب ويحضر الماء على هذه الهيئة. وفيما تأخر من جديد، قام الشيح بإخفاء غمباز تلميذه ثم ترك منسكه وذهب إلى المائدة في الدير. فلما عاد جاورجيوس لم يجد لا الشيخ ولا غمبازه. فتوجه، على هذه الصورة، إلى الدير شبه عريان. فلما فتح له البواب فوجئ بمنظره فذهب وأحضر له غمبازاً ثم أدخله. والتقى الشيخ عائداً من المائدة تلميذه، قرب مدافن الآباء القديسين الخمسة. فلما رآه رمقه بنظرة غاضبة محقّرة ورفع يده وعاجله بلطمة على وجهه قائلاً: لماذا تأخرت؟ "فيبست يده للحال إلى عنقها ونخسه الحس بالذنب، فوقع عند قدمي الشاب وأخذ يتوسل إليه أن يسامحه ويتضرع إلى الرب الإلأه من أجله، فأخذه الشاب إلى مدافن الآباء الخمسة. وإذ شرعا في الصلاة استرد الشيخ عافيته. مذ ذاك صار هذا الأخير وديعاً متواضعاً يعامل الآخرين برفق ووقار.
ودرى الإخوة في الدير بما جرى فشرعوا ينظرون إلى الشاب بإكبار. وإذ شعر هو بتجربة المجد الباطل تحتف به من كل صوب قام فترك الدير سراً وعاد إلى الموضع الذي كان فيه أخوه إيراكليذيس في لافرا القلمون. من ذلك الوقت أقام جاورجيوس وأخوه في مكان بقرب اللافرا يعرف بـ "الكنيسة العتيقة".
عاش الإثنان في تقشف شديد لا يمتعان نفسيهما بأية تعزية من جهة الطعام والشراب.
من أخبارهما أن فلاحاً من أريحا عزيزاً عليهما، كان له طفل وحيد مات فجأة. فأخذه أبوه ووضعه في سلّ وجعل عليه بعض الثمار من جني الأرض. ثم غطى الجميع بورق الكرمة، وأخذ السلّ وذهب به إلى اللافرا. فلما نقر على باب الأخوين فتح له جاورجيوس فسأله الفلاح أن يقبل السلّ بركة من ثمار حقله. ثم تركها وانصرف. فأخذ الأخوان السل ونظرا فيه فاكتشفا الطفل الميت، فاعتبر الأكبر أن في المسألة تجربة ورغب في رد الهدية إلى صاحبها. أما جاورجيوس فأجاب: "لا تحزن يا أخي ولا تغضب دعنا نبتهل إلى الإله الرحيم بإيمان، فإن عفّ عن خطايانا وأقام الصبي أخذ الفلاح ابنه حياً بسبب إيمانه. وإن لم تشأ نعمة الله أعدنا الميت إلى أبيه واعترفنا بأننا خطأة ولا قامة لنا تؤهلنا لمثل هذه الجسارة أمام الله". وهكذا كان. وقف الأخوان يصليان بدموع وقلب خاشع متواضع، فمنّ عليهما الرب الإله بمنية قلبيهما وأقام الطفل من الموت فسلّماه إلى أبيه وشددا عليه ألا يخبر بما حدث لئلا يتسبب في إلقائهما في الشقاء والضيق.
عاش الأخوان في دعة وتقوى. لم يلقهما أحد من الناس متخاصمين. وكيف يتنافران والأكبر كان وديعاً خفراً والأصغر مطيعاً متواضعاً!.
رقد إيراكليذيس في سن السبعين بعدما امتلأ صلاحاً وإيماناً وازدان بالفضائل وذاع صيته في كل وادي الأردن، بتولاً، هادئاً، عيدم القنية، رحيماً ممسكاً. كان لا يأكل سوى مرة في كل يومين أو ثلاثة وحتى كل أسبوع، ولا يقبل الاشتراك في مائدة الآباء في المناسبات. لم يشأ أن يقف بمعية الآباء في جوق الكنيسة، كما اعتاد أن يقف في زاوية الكنيسة بجبته العتيقة ولاطيته ويتلو المزامير من أول الخدمة وهو يذرف الدمع سخياً ولا يكلم أحداً. وقد ذاع صيت عجائب الرب يسوع على يديه. وبعدما سطع في حياة تقية مرضية لله ختم سني حياته في الصلاح فدفن في مقبرة الآباء القديسين.
أما القديس جاورجيوس فلازم القلاية وحيداً حزيناً على أخيه. لكنه كان شجاعاً وأحبه الجميع. وقد صُيّر شماساً فخدم بمخافة الله ونخس القلب.
واضطرت الحاجة جاورجيوس إلى الخروج من القلاية مرة، فلما فتح الباب وجد أسداً جالساً في دربه. وإذ لم يكن في قلبه مطرح للخوف، دفع الوحش بقدمه ليزيحه فلمّا ينتزح بل زأر بخفة ونفض ذنبه كما ليبدي أنه لا يرغب بمغادرة المكان. فعاد جااورجيوس ودفعه مرتين وثلاثة بقدمه ليعطي مكاماً فلم يُطع. كان الأسد كوجوعاً في أسنانه. فعرف القديس بروحه وأمره أن يفتح فاه ففعل فأدخل يده ولمس أسنانه. فقام الأسد وغادره وذهب القديس في سبيله.
في ذلك الوقت رقد رئيس اللافرا فأحدث فراقه فراغاً في الدير واضطرياً وانقساماً، ولم يتمكن الرهبان من اختيار خلف للرئيس الراقد. فحزن القديس للفوضى في المكان وسأل ربه ما عساه أن يفعل فأتاه أن يصعد إلى الدير الذي اقتبل فيه الرهبنه أولاً، أي دير والدة الإله في وادي خوزيفا – القلط، فقام إلى هناك، فسر به الآباء وأعطاه رئيس الدير قلاية خلد فيها إلى الهدوء والصمت والصلاة.
لا يعرف أحد ماذا كان يجري داخل قلاية القديس. فقط كانوا يعلمون أنه لم يكن لديه لا خمر ولا زيت ولا خبز ولا ثوب غير جبّة قصيرة كان يلبسها كلما خرج إلى الكنيسة. وقد درج على الأكتفاء بالأسمال والأثواب المهملة يخيط منها لنفسه ثوباً ويصنع فراشاً. كذلك رجا القديس أصحاب المطبخ أن يحفظوا له الفضلات من أحد إلى أحد، خضاراً وضفداً. هذه اعتاد أن يأخذها ويطحنها بالحجارة ويصنع منها أقراصاً ثم يعرضها لحرارة الشمس فتجف فيحفظها. وكان كلما شاء أن يتناول شيئاً يأخذ منها قرصاً ويبله بالماء ويأكله. هذا كان يحدث مرة كل يومين أو ثلاثة.
فلما بلغ الفرس دمشق ضرب الذعر الأرض. وحدث أن المغبوط جلس على صخرة يستدفئ لأنه كان رقيق البنية بسبب أصوامه. وإذ اشتمعل حب الله في قلبه رجاه بدموع سخية أن يرأف بشعبه، فسمع صوتاً يقول له: "قم انزل إلى أريحا وعاين ما يفعله الناس هناك"، فقام ونزل بصحبة إخوة من الدير. فلما بلغ حدائق المدينة، سمع فجأة في الهواء أصوات اضطراب والناس يصطرعون فيما بينهم، وكانوا يصرخون ويتضاربون وكأنهم في معركة. ثم رفع عينيه إلى السماء فرأى الهواء مكتظاً بالجنود يتحاربون. وإذا بالأرض تهتز وتضطرب تحت أقدامهم. فقال الإخوة للقديس: "هيا بنا يا أبانا ندخل المدينة. لماذا تقف طويلاً وتمعن النظر في الهواء؟!" فأجابهم بدموع: هيا بنا نعود يا إخوة من حيث أتينا. أما ترون الأرض تهتز؟" في تلك اللحظة خرج من المدينة رجال مسلّحون على أحصنة، وكان بعضهم مشاة، وهم يحملون السيوف والرماح، ويسرعون فب كل اتجاه. ففهم الإخوة، إذ ذاك، ما قاله القديس قبل قليل. وبالجهد تمكنوا من العودة إلى الدير بخوف عظيم. فلما بلغ الشيخ قلايته بكى وانتحب على المدينة لضلالة شعبها ةانعدام الإلفة فيما بينهم ولجهلهم وانعدام تقواهم. وإذ كان جالساً، في اليوم التالي، على الصخرة يستدفئ تضرّع إلى الرب الإله قائلاً: أيها السيد الرب الإله الذي يشاء الكل أن يخلصوا وإلى معرفة الحق يقبلوا، ارفع عصاك وعاقب هذا الشعب لأنهم لا يسلكون بمقتضى معرفتك!" فجأة ظهر له عصا من نار في الهواء من المدينة المقدسة إلى بصرى. فعلم القديس، إذ ذاك، أن الشعب على وشك أن يحلّ به تأديب العلي فبكى وانتحب.
ولم يمض على نبوءة القديس وقت طويل حتى بلغ الفرس المدينة المقدسة فأحاطوا بها فقام أهل الدير وسكان القلالي وارتحلوا. بعضهم توجه إلى العربية برفقة الرئيس والبعض دخل المغاور واختبأ بين القصب الكثيف. لبن هؤلاء كان القديس جاورجيوس بعدما أجبره الإخوة على الفرار والاختباء. بحث الغزاة عن الفارين بتدقيق سائلين سكان الجبال عن مواضع الرهبان. وقد وقع القديس في أيديهم وكذلك العديد من الآباء. فتك الفرس بالشيخ استفانوس السوري وسواه، أما قديسنا فلما وصلوا إليه جعل الله في قلوبهم هيبة فتهيّبوه وأعطوه خبزاً وماء وصرفوه. فنزل إلى الأردن أثناء الليل وبقي هناك إلى أن غادر الفرس المكان. ثم دخل المدينة المقدسة، وعاد بعد حين إلى دير الخوزيبا حيث أخذ يعلّم الإخوة كل يوم. وقد أجرى الله بيده عجائب جمّة.
بقي القديس على هذه الحال ردحاً من الزمان إلى أن اشتاقت نفسه إلى الخروج إلى ربّه فمرض. في تلك الليلة التي رقد وصل قوم غرباء إلى الدير فاضطر أنطونيوس، تلميذه وكاتب سيرته، أن يهتم بهم. فبعث إليه القديس قائلاً: تعال أباركك لأني على وشك أن أغادر! فحزن أنطونيوس، لكنه لم يكن في وضع يسمح له بمغادرة زوّار الدير. فشعر الشيخ القديس يذلك وبعث له، من جديد، يقول له: "لا تحزن ولا تكتئب، يا ولدي! نمّم خدمتك وأنا بانتظارك!" فلما قام الغرباء عن المائدة، وصل آخرون وتأخروا إلى منتصف الليل. كل هذا بتدبير من الله الذي يشاء أن تظهر مكانة القديس عنده. وانتظر الأب القديس إلى ذلك الوقت. فلما انتهى أنطونيوس من أداء خدمته كمضيف نزل إلى الشيخ، فلما رآه الشيخ ضمّه إلى صدره وقبّله وباركه. ثم حوّل وجهه ناحية الشرق وقال: "هيا يا نفسي أخرجي إلى المسيح، هيا أخرجي! فلما أعاد القول إياه ثلاثاً أسلم الروح.
كنيستنا الأرثوذكسية المقدسة تقيم تكاره في اليوم الثامن من شهر كانون الثاني.
8/ 1ش (21/ 1غ)
ولد القديس جاورجيوس هذا في القرن السابع الميلادي، في إحدى قرى جزيرة قبرص من أبوين تقيين متواضعين في عيشهما. كان له أخ يدعى إيراكليذيس خرج إلى الأرض المقدسة حاجاً ثم نزل إلى نهر الأردن وزار لافرا القلمون فترهب هناك.
تيتم جاورجيوس فأخذه أحد أعمامه إليه ووضع يده على ميراثه. وإذ أراد أن يزوجه ابنته هرب الفتى إلى عم آخر لأنه لم يكن يرغب في الزواج. عمّ جاورجيوس الثاني كان رئيس دير. فلما علم الأول بالأمر خاصم أخاه. فترك الصبيُّ كل شيء وفرّ إلى الأرض المقدسة.
جاء جاورجيوس إلى أخيه إيراكليذيس في دير القلمون راغباً في السيرة الرهبانية معه. وإذ لم تكن لحيته قد نبتت بعد أخذه أخيه إلى دير والدة الإله في وادي خوزيبا (وادي القلط) على طريق القدس إلى أريحا. بحيث أن آباء لافرا القلمون كانوا يمتنعون عن قبول طلاّب الرهبنة من الشبان الصغار. رئيس دير الخوريفا امتحنه فألقاه صالحاً فرهبنه. ولم يمض عليه وقت طويل حتى أعطاه الإسكيم المقدس وسلّمه إلى شيخ روحاني قاسي الطبع أصله من بلاد ما بين النهرين.
ذات يوم، أرسل الشيخ الشاب إلى النهر ليحضر ماء. ولكن لم يكن الوصول إلى موضع الماء ممكناً لأن القصب في المكان كان كثيفاً ومتشابكاً. فعاد جاورجيوس الشاب إلى معلمه صفر اليدين. ففرض عليه الشيخ أن ينزع غمبازه وأن يربط وسطه بجبته وأن يذهب ويحضر الماء على هذه الهيئة. وفيما تأخر من جديد، قام الشيح بإخفاء غمباز تلميذه ثم ترك منسكه وذهب إلى المائدة في الدير. فلما عاد جاورجيوس لم يجد لا الشيخ ولا غمبازه. فتوجه، على هذه الصورة، إلى الدير شبه عريان. فلما فتح له البواب فوجئ بمنظره فذهب وأحضر له غمبازاً ثم أدخله. والتقى الشيخ عائداً من المائدة تلميذه، قرب مدافن الآباء القديسين الخمسة. فلما رآه رمقه بنظرة غاضبة محقّرة ورفع يده وعاجله بلطمة على وجهه قائلاً: لماذا تأخرت؟ "فيبست يده للحال إلى عنقها ونخسه الحس بالذنب، فوقع عند قدمي الشاب وأخذ يتوسل إليه أن يسامحه ويتضرع إلى الرب الإلأه من أجله، فأخذه الشاب إلى مدافن الآباء الخمسة. وإذ شرعا في الصلاة استرد الشيخ عافيته. مذ ذاك صار هذا الأخير وديعاً متواضعاً يعامل الآخرين برفق ووقار.
ودرى الإخوة في الدير بما جرى فشرعوا ينظرون إلى الشاب بإكبار. وإذ شعر هو بتجربة المجد الباطل تحتف به من كل صوب قام فترك الدير سراً وعاد إلى الموضع الذي كان فيه أخوه إيراكليذيس في لافرا القلمون. من ذلك الوقت أقام جاورجيوس وأخوه في مكان بقرب اللافرا يعرف بـ "الكنيسة العتيقة".
عاش الإثنان في تقشف شديد لا يمتعان نفسيهما بأية تعزية من جهة الطعام والشراب.
من أخبارهما أن فلاحاً من أريحا عزيزاً عليهما، كان له طفل وحيد مات فجأة. فأخذه أبوه ووضعه في سلّ وجعل عليه بعض الثمار من جني الأرض. ثم غطى الجميع بورق الكرمة، وأخذ السلّ وذهب به إلى اللافرا. فلما نقر على باب الأخوين فتح له جاورجيوس فسأله الفلاح أن يقبل السلّ بركة من ثمار حقله. ثم تركها وانصرف. فأخذ الأخوان السل ونظرا فيه فاكتشفا الطفل الميت، فاعتبر الأكبر أن في المسألة تجربة ورغب في رد الهدية إلى صاحبها. أما جاورجيوس فأجاب: "لا تحزن يا أخي ولا تغضب دعنا نبتهل إلى الإله الرحيم بإيمان، فإن عفّ عن خطايانا وأقام الصبي أخذ الفلاح ابنه حياً بسبب إيمانه. وإن لم تشأ نعمة الله أعدنا الميت إلى أبيه واعترفنا بأننا خطأة ولا قامة لنا تؤهلنا لمثل هذه الجسارة أمام الله". وهكذا كان. وقف الأخوان يصليان بدموع وقلب خاشع متواضع، فمنّ عليهما الرب الإله بمنية قلبيهما وأقام الطفل من الموت فسلّماه إلى أبيه وشددا عليه ألا يخبر بما حدث لئلا يتسبب في إلقائهما في الشقاء والضيق.
عاش الأخوان في دعة وتقوى. لم يلقهما أحد من الناس متخاصمين. وكيف يتنافران والأكبر كان وديعاً خفراً والأصغر مطيعاً متواضعاً!.
رقد إيراكليذيس في سن السبعين بعدما امتلأ صلاحاً وإيماناً وازدان بالفضائل وذاع صيته في كل وادي الأردن، بتولاً، هادئاً، عيدم القنية، رحيماً ممسكاً. كان لا يأكل سوى مرة في كل يومين أو ثلاثة وحتى كل أسبوع، ولا يقبل الاشتراك في مائدة الآباء في المناسبات. لم يشأ أن يقف بمعية الآباء في جوق الكنيسة، كما اعتاد أن يقف في زاوية الكنيسة بجبته العتيقة ولاطيته ويتلو المزامير من أول الخدمة وهو يذرف الدمع سخياً ولا يكلم أحداً. وقد ذاع صيت عجائب الرب يسوع على يديه. وبعدما سطع في حياة تقية مرضية لله ختم سني حياته في الصلاح فدفن في مقبرة الآباء القديسين.
أما القديس جاورجيوس فلازم القلاية وحيداً حزيناً على أخيه. لكنه كان شجاعاً وأحبه الجميع. وقد صُيّر شماساً فخدم بمخافة الله ونخس القلب.
واضطرت الحاجة جاورجيوس إلى الخروج من القلاية مرة، فلما فتح الباب وجد أسداً جالساً في دربه. وإذ لم يكن في قلبه مطرح للخوف، دفع الوحش بقدمه ليزيحه فلمّا ينتزح بل زأر بخفة ونفض ذنبه كما ليبدي أنه لا يرغب بمغادرة المكان. فعاد جااورجيوس ودفعه مرتين وثلاثة بقدمه ليعطي مكاماً فلم يُطع. كان الأسد كوجوعاً في أسنانه. فعرف القديس بروحه وأمره أن يفتح فاه ففعل فأدخل يده ولمس أسنانه. فقام الأسد وغادره وذهب القديس في سبيله.
في ذلك الوقت رقد رئيس اللافرا فأحدث فراقه فراغاً في الدير واضطرياً وانقساماً، ولم يتمكن الرهبان من اختيار خلف للرئيس الراقد. فحزن القديس للفوضى في المكان وسأل ربه ما عساه أن يفعل فأتاه أن يصعد إلى الدير الذي اقتبل فيه الرهبنه أولاً، أي دير والدة الإله في وادي خوزيفا – القلط، فقام إلى هناك، فسر به الآباء وأعطاه رئيس الدير قلاية خلد فيها إلى الهدوء والصمت والصلاة.
لا يعرف أحد ماذا كان يجري داخل قلاية القديس. فقط كانوا يعلمون أنه لم يكن لديه لا خمر ولا زيت ولا خبز ولا ثوب غير جبّة قصيرة كان يلبسها كلما خرج إلى الكنيسة. وقد درج على الأكتفاء بالأسمال والأثواب المهملة يخيط منها لنفسه ثوباً ويصنع فراشاً. كذلك رجا القديس أصحاب المطبخ أن يحفظوا له الفضلات من أحد إلى أحد، خضاراً وضفداً. هذه اعتاد أن يأخذها ويطحنها بالحجارة ويصنع منها أقراصاً ثم يعرضها لحرارة الشمس فتجف فيحفظها. وكان كلما شاء أن يتناول شيئاً يأخذ منها قرصاً ويبله بالماء ويأكله. هذا كان يحدث مرة كل يومين أو ثلاثة.
فلما بلغ الفرس دمشق ضرب الذعر الأرض. وحدث أن المغبوط جلس على صخرة يستدفئ لأنه كان رقيق البنية بسبب أصوامه. وإذ اشتمعل حب الله في قلبه رجاه بدموع سخية أن يرأف بشعبه، فسمع صوتاً يقول له: "قم انزل إلى أريحا وعاين ما يفعله الناس هناك"، فقام ونزل بصحبة إخوة من الدير. فلما بلغ حدائق المدينة، سمع فجأة في الهواء أصوات اضطراب والناس يصطرعون فيما بينهم، وكانوا يصرخون ويتضاربون وكأنهم في معركة. ثم رفع عينيه إلى السماء فرأى الهواء مكتظاً بالجنود يتحاربون. وإذا بالأرض تهتز وتضطرب تحت أقدامهم. فقال الإخوة للقديس: "هيا بنا يا أبانا ندخل المدينة. لماذا تقف طويلاً وتمعن النظر في الهواء؟!" فأجابهم بدموع: هيا بنا نعود يا إخوة من حيث أتينا. أما ترون الأرض تهتز؟" في تلك اللحظة خرج من المدينة رجال مسلّحون على أحصنة، وكان بعضهم مشاة، وهم يحملون السيوف والرماح، ويسرعون فب كل اتجاه. ففهم الإخوة، إذ ذاك، ما قاله القديس قبل قليل. وبالجهد تمكنوا من العودة إلى الدير بخوف عظيم. فلما بلغ الشيخ قلايته بكى وانتحب على المدينة لضلالة شعبها ةانعدام الإلفة فيما بينهم ولجهلهم وانعدام تقواهم. وإذ كان جالساً، في اليوم التالي، على الصخرة يستدفئ تضرّع إلى الرب الإله قائلاً: أيها السيد الرب الإله الذي يشاء الكل أن يخلصوا وإلى معرفة الحق يقبلوا، ارفع عصاك وعاقب هذا الشعب لأنهم لا يسلكون بمقتضى معرفتك!" فجأة ظهر له عصا من نار في الهواء من المدينة المقدسة إلى بصرى. فعلم القديس، إذ ذاك، أن الشعب على وشك أن يحلّ به تأديب العلي فبكى وانتحب.
ولم يمض على نبوءة القديس وقت طويل حتى بلغ الفرس المدينة المقدسة فأحاطوا بها فقام أهل الدير وسكان القلالي وارتحلوا. بعضهم توجه إلى العربية برفقة الرئيس والبعض دخل المغاور واختبأ بين القصب الكثيف. لبن هؤلاء كان القديس جاورجيوس بعدما أجبره الإخوة على الفرار والاختباء. بحث الغزاة عن الفارين بتدقيق سائلين سكان الجبال عن مواضع الرهبان. وقد وقع القديس في أيديهم وكذلك العديد من الآباء. فتك الفرس بالشيخ استفانوس السوري وسواه، أما قديسنا فلما وصلوا إليه جعل الله في قلوبهم هيبة فتهيّبوه وأعطوه خبزاً وماء وصرفوه. فنزل إلى الأردن أثناء الليل وبقي هناك إلى أن غادر الفرس المكان. ثم دخل المدينة المقدسة، وعاد بعد حين إلى دير الخوزيبا حيث أخذ يعلّم الإخوة كل يوم. وقد أجرى الله بيده عجائب جمّة.
بقي القديس على هذه الحال ردحاً من الزمان إلى أن اشتاقت نفسه إلى الخروج إلى ربّه فمرض. في تلك الليلة التي رقد وصل قوم غرباء إلى الدير فاضطر أنطونيوس، تلميذه وكاتب سيرته، أن يهتم بهم. فبعث إليه القديس قائلاً: تعال أباركك لأني على وشك أن أغادر! فحزن أنطونيوس، لكنه لم يكن في وضع يسمح له بمغادرة زوّار الدير. فشعر الشيخ القديس يذلك وبعث له، من جديد، يقول له: "لا تحزن ولا تكتئب، يا ولدي! نمّم خدمتك وأنا بانتظارك!" فلما قام الغرباء عن المائدة، وصل آخرون وتأخروا إلى منتصف الليل. كل هذا بتدبير من الله الذي يشاء أن تظهر مكانة القديس عنده. وانتظر الأب القديس إلى ذلك الوقت. فلما انتهى أنطونيوس من أداء خدمته كمضيف نزل إلى الشيخ، فلما رآه الشيخ ضمّه إلى صدره وقبّله وباركه. ثم حوّل وجهه ناحية الشرق وقال: "هيا يا نفسي أخرجي إلى المسيح، هيا أخرجي! فلما أعاد القول إياه ثلاثاً أسلم الروح.
كنيستنا الأرثوذكسية المقدسة تقيم تكاره في اليوم الثامن من شهر كانون الثاني.
مــنــتــدى الــكــنــيــســة الأرثــوذكــســيــة - فــلــســطــيــن - الأرض الــمــقدســة :: الفئة الأولى :: سير القديسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى